الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
64- وقوله جل وعز: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام.65- وقوله جل وعز: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} أي هم في قبضة الله عز وجل.66- وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} في هذه الآية أقوال روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} الإناث وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية قال الشعبي ليست بمنسوخة وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها: قوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم}، وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما.قال عطاء ونسيت الثالثة قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي.67- ثم بين المرات فقال سبحانه: {من قبل صلاة الفجر} لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة لأنه وقت القائلة ومن بعد صلاة العشاء قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت.68- ثم قال تعالى: {ثلاث عورت لكم} أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير إذن طوافون عليكم أي يخدمونكم بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على بعض.69- وقوله جل وعز: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية.70- ثم قال تعالى: {كما استأذن الذين من قبلهم} يعني البالغين.71- وقوله جل وعز: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا} قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها.72- ثم قال تعالى: {فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن.73- وقوله جل وعز: {وأن يستعففن خير لهن} قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن.74- وقوله جل وعز: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخر الآية قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} ما بال هؤلاء ذكروا هاهنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك، ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية: {ليس على الأعمى حرج} قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شيء والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم} إلى قوله: {جميعا أو أشتاتا} وذلك لما أنزل الله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج} إلى قوله: {أو ما ملكت مفاتحه} وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم وهذا معنى رواية صالح عنه.75- فأما قوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} فقيل معناه من بيوت عيالكم وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس {أو ما ملكتم مفاتحه} يعني العبيد وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة وقرأ سعيد بن جبير {أو ما ملكتم مفاتحه} بضم الميم وتشديد اللام وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج ولا وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة.وقيل: {ليس على الأعمى حرج} أي في الغزو وكذا الأعرج المريض {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله أو بيوت إخوانكم عام.76- وقوله جل وعز: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} روى عمر بن دينار عن ابن عباس {فإذا دخلتم بيوتا} قال المساجد {فسلموا على أنفسكم} يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال ماهان إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض.كما قال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر:
يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركه طيبه ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة.77- وقوله جل وعز: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة وقال قتادة والضحاك {وإذا كانوا معه على أمر جامع} أي على أمر طاعة قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه.78- وقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} قال قتادة وقد قال سبحانه: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة.79- وقوله جل وعز: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم} كدعاء بعضكم بعضا قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه.ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس.80- وقوله جل وعز: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا} قال مجاهد أي خلافا وقيل حيادا لم كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره ولواذ حدثنا مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ.وزعم أبو عبيدة أن قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} معناه يخالفون أمره قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر: وحقيقة عن هاهنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز: {ففسق عن أمر ربه}.انتهت سورة النور. اهـ. .قال الفراء: ومن سورة النور:قوله: {سُورَةٌ أَنْزَلْناها (1)} ترفع السّورة بإضمار هذه سورة أنزلناها. ولا ترفعها براجع ذكرها لأنّ النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها، إلا أن يكون ذلك جوابا ألا ترى أنك لا تقول: رجل قام، إنما الكلام أن تقول: قام رجل. وقبح تقديم النكرة قبل خبرها أنّها توصل ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال: رجل يقوم أعجب إلىّ من رجل لا يقوم: فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. 126 او حسن في الجواب لأنّ القائل يقول: من في الدار؟ فتقول: رجل وإن قلت رجل فيها فلا بأس لأنه كالمرفوع بالردّ لا بالصفة.ولو نصبت السّورة على قولك: أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول: مجرّدا ضربته كان وجها. وما رأيت أحدا قرأ به.ومن قال {فرضناها} يقول: أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء: فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن.وقوله: {الزانية والزّانى فاجلدوا كلّ واحد منهما} رفعتهما بما عاد من ذكرهما في قوله: {كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما} ولا ينصب مثل هذا لأن تأويله الجزاء ومعناه- واللّه أعلم- من زنى فافعلوا به ذلك. ومثله {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} معناه- واللّه أعلم: من قال الشعر اتّبعه الغواة. وكذلك {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} {وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما} ولو أضمرت قبل كلّ ما ذكرنا فعلا كالأمر جاز نصبه، فقلت: الزانية والزاني فاجلدوا، ويريد الفراء أنها تنصب على الحال. وفي البحر: وقال الفراء: سورة حال من الهاء والألف. والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه ولم نر هذا النص في نسخنا.
|